السبت، 1 أغسطس 2009

عوداً حميداً لمغتربى النوبة القديمة.


قديماً قديماً ، جنوباً جنوباً، جلست طفلة صغيرة منذ مايزيد على خمسون عاماًعلى صخرة جرانيتية قديمة أمام منزل واسع لاحدود لأركانة ن على يسار المدخل مأوى شتوى معرش بجذوع النخيل وعروق خشبية ضخمة وينقسم الى حجرتين ، وفى نهاية السور من الناحية اليمنى المقر الصيفى بدون عروش ولاأسقف ،وفناء فسيح بة عدد من المصاطب بجوار وخلف المقر الشتوى بالقرب من الباب ،هى مكان التسامر بعد غروب الشمس وسور يحيط بالمنزل لا تبلغ الطفلة مداة بسهولة .وفى نهاية السور جبل أمر اللون يطل بشموخ على تللك المعالم .
ولذا فمكانها المفضل امام المنزل ولا يفصلها عن النهر الكبير سوى أمتار ، والنهر فى هذا المكان واسع وعميق ينحنى يمينا وفى الأفق أعمدة معبد السبوع الضخمة العالية تنعكس صورتها على صفحة النهر بجلال ورهبة وشموخ ، وبالناحية الاخرى مبناً ورديا لايقل فخامة عن المعبد البعيد ربما كان قصرا لعظيم اتخذ مدرسة كان والد الصغيرة هوناظرها ،وكانت ترخى سمعها لصوت جرس الدرسة لتحصى مابقى من دقات الجرس حتى يحضر والدها . ومن نهاية سور المنزل جبل احمر اللون وكانت تعرف أن هذا اللون الأحمرهو بسبب ذرات الحديد واذى أكتتب والدها فى أسهم مصنع الحديد الذى كان سيقام فى حلوان .


كانت الصغيرة تجلس أحيانا تقلد سيدات القرية فى طحن الغلال على الرحى مستبدلة الرمال بالغلة ، تسرح بخيالها وراء هذا الافق الممتد ، ولم تكن تدرى أن هذا المنظر سيصبح مجرد ذكرى تعيش فيهاومعها وحدها كلما دفعها الحنين لإجترار ذكريات الطفولة ،
وتتسرب الصغيرة احيانا لتنزل درجات صخرية لتدلى قدميها فى مياة النهرلتعود مسرعة يلفح قدميها سخونة الرمال الذهبية ,وتعاود الكرة مرات ومرات ولكن بخوف وحذر حتى لا تراها أعين الكبار فينهرها على اقترابها من درجات السلم واذى كان قريبا من مكتب البريد الذى يجلس فى العجوز منتظراً قدوم الباخرة مع كل أهل القرية ليصبح المكان حفلا بقدوم البريد والمؤنة الزاد والزواد الشاى والسكر والزيت وتلبس الصغيرة أجمل ما عندها لتذهب مع والدها لسداد ما عليه لأهل القرية ، وتلتف حوله سيدات القرية ليقرأ لهم الخطابات
من الأهل والأحباب ويزيد على ذلك بشراء السكر والشاى ثمنا بالمبادلة لما قدموة لأهل بيته من حمام وطير وبيض وخبز شمسى له مذاق خاص وطريقة خاصة فى الصنع حيث تتركة نساء القرية على ألواح صغيرة مستديرة فى الشمس ليتضاعف حجمة اضعافاً ويصبخ منتفخا وعاليا عما وضعتة فى الصباح ،ثم تجمعه لتدخله الفرن فيصبح هشاً ، ويتقاسمة اكثر من فرد فى الاكل .
وباقى بيوت القرية كانت مترامية بدون ترتيب هنا وهناك على امتداد النهرن كل هذة المعالم والتفاصيل أندثرت تحت البحيرة بعد إنشاء السد العالى وتم تهجير أهل جميع القرى بالنوبة القديمة الى أماكن عديدة .
تلاشت تلك البيوت والقرى من الوجود ولكنها تعيش داخل كل من عاش فى تلك القرى والماضى له سحر خاص وداخل كل من احساس فطرى هو الحنيين للماضى بكل ما فيه ويزداد هذا الحنيين كلما أمتد العمر بالإنسان فحنيين كبار للماضى أشد واعمق وكأن الإنسان يسعى فى كبره لإستعادة طفولتة بكل تفاصيلها .
لقد رحل أهل النوبة عن قراهم بكل التضحية للمصلحة العليا للوطن وليس اقل من أن يعودوا لبلادهم وقراهم البديلة على ضفاف بحيرة السد ، ومن يفكر فى إستثمار تلك الأماكن سياحيا هو جاحد لأهل تلك المناطق الأصليين ومن عاشوا بها ، وحسب ما يتم الإعلان كثيرا من رغبة الحكومة فى إعادة توطين .
والآن يحن ساكنى هذا المكان للعودة مرة أخرى الى تلك البقعة ...
فهل هذا مطلب صعب المنال !!
هل أصبح الحلم محال ... لقد غاب الجميع عن هذا المكان طواعية وليس أقل من أن يعود من يرغب بكل الدعوات والتسهيلات ....

هكذا تتمنى هذة الطفلة التى كانت وتتمنى الأن العودة .....ربما الحلم يتحقق !!!!

هناك 4 تعليقات:

  1. باذن الله سيتحقق..... كل ما حققته البشرية كان فى بدايته حلما... وما ضاع حق وراءه مطالب ...

    ردحذف
  2. شكرا ياحبيبة
    اتمنى ان تحققى انت واخوك كل احلامك بالتدريج وطول العمر يبلغ الأمل .

    ردحذف
  3. ده أول تواجد ليا بالمدونة بس ان شاء الله مش هيكون الأخير ..
    الموضوع بجد حلو جدا .. واسلوب سرده شيق والوصف فيه بجد مالهوش حل خلاني شايفه كل حاجة حضرتك وصفتيها .. وانا شخصيا حسيت بحنين للمكان بالرغم من اني عمري ما رحته بس وصفه يخلي اي حد يتمنى يتواجد فيه .. ربنا يحققلهم حلمهم قريب ويرجعوا لمكانهم ودنيتهم من تاني ..
    اتمنى ماكونش طولت ورغيت كتير ..

    عبير ..

    ردحذف
  4. المبدعة فاطمة شلبى
    وددت أن أسجل اعجابى بمدونتك الواعية الرائعة المستنيرة...تقديرى مع باقة ورد
    خالد إبراهيم أبو العيمة...مدونة سور الأزبكية

    ردحذف